الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآية رقم (41): {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)}فيه سبع مسائل:الأولى: روى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري قال: أول ما نزل من سورة براءة {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا}.وقال أبو الضحا كذلك أيضا. قال: ثم نزل أولها وآخرها.الثانية: قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا} نصب على الحال، وفية عشرة أقوال: الأول- يذكر عن ابن عباس {فَانْفِرُوا ثُباتٍ} [النساء: 17]: سرايا متفرقين. الثاني روي عن ابن عباس أيضا وقتادة: نشاطا وغير نشاط. الثالث الخفيف: الغني، والثقيل: الفقير، قاله مجاهد. الرابع الخفيف: الشاب، والثقيل: الشيخ، قاله الحسن. الخامس مشاغيل وغير مشاغيل، قاله زيد بن علي والحكم بن عتبة. السادس الثقيل: الذي له عيال، والخفيف: الذي لا عيال له، قاله زيد بن أسلم. السابع الثقيل: الذي له ضيعة يكره أن يدعها، والخفيف: الذي لا ضيعة له، قاله ابن زيد. الثامن الخفاف: الرجال، والثقال: الفرسان، قاله الأوزاعي. التاسع الخفاف: الذين يسبقون إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش والثقال: الجيش بأسره العاشر الخفيف: الشجاع، والثقيل: الجبان، حكاه النقاش. والصحيح في معنى الآية أن الناس أمروا جملة أي انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال له: أعلي أن أنفر؟ فقال: «نعم» حتى أنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ} [النور: 61]. وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة.الثالثة: واختلف في هذه الآية، فقيل إنها منسوخة بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى} [التوبة: 91].وقيل: الناسخ لها قوله: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ} [التوبة: 122]. والصحيح أنها ليست بمنسوخة. روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا} قال شبانا وكهولا، ما سمع الله عذر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات رضي الله عنه.وروى حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا} فقال: أي بني جهزوني جهزوني فقال بنوه: يرحمك الله! لقد غزوت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر حتى مات فنحن نغزو عنك. قال. لا، جهزوني. فغزا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها، ولم يتغير رضي الله عنه. وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص على تابوت صراف، وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو. فقيل له: لقد عذرك الله. فقال: أتت علينا سورة البعوث {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا}.وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه. فقيل له: إنك عليل. فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع. وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له: يا عم إن الله قد عذرك فقال: يا بن أخي، قد أمرنا بالنفر خفافا وثقالا. ولقد قال ابن أم مكتوم رضي الله عنه- واسمه عمرويوم أحد: أنا رجل أعمى، فسلموا لي اللواء، فإنه إذا انهزم حامل اللواء انهزم الجيش، وأنا ما أدري من يقصدني بسيفه فما أبرح فأخذ اللواء يومئذ مصعب ابن عمير على ما تقدم في آل عمران بيانه. فلهذا وما كان مثله مما روي عن الصحابة والتابعين. قلنا: إن النسخ لا يصح. وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل، وهي: الرابعة: وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا، شبابا وشيوخا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مقاتل أو مكثر. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدو هم كان على من قاربهم وجاور هم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم. وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدو هم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين. ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو. ولا خلاف في هذا. وقسم ثان من واجب الجهاد- فرض أيضا على الامام إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعو هم إلى الإسلام ويرغبهم، ويكف أذا هم ويظهر دين الله عليهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد. ومن الجهاد أيضا ما هو نافلة وهو إخراج الامام طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في أوقات الغرة وعند إمكان الفرصة والارصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة. فإن قيل: كيف يصنع الواحد إذا قصر الجميع، وهي: الخامسة: قيل له: يعمد إلى أسير واحد فيفديه، فإنه إذا فدى الواحد فقد أدى في الواحد أكثر مما كان يلزمه في الجماعة، فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسارى ما أدى كل واحد منهم إلا أقل من درهم. ويغزو بنفسه إن قدر وإلا جهز غازيا. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» أخرجه الصحيح. وذلك لان مكانه لا يغني وماله لا يكفي.السادسة: روي أن بعض الملوك عاهد كفارا على ألا يحبسوا أسيرا، فدخل رجل من المسلمين جهة بلادهم فمر على بيت مغلق، فنادته امرأة إني أسيرة فأبلغ صاحبك خبري فلما اجتمع به واستطعمه عنده وتجاذبا ذيل الحديث انتهى الخبر إلى هذه المعذبة فما أكمل حديثه حتى قام الأمير على قدميه وخرج غازيا من فوره ومشى إلى الثغر حتى أخرج الأسيرة واستولى على الموضع رضي الله عنه. ذكره ابن العربي وقال: ولقد نزل بنا العدو قصمه الله- سنة سبع وعشرين وخمسمائة فجاس ديارنا وأسر خيرتنا وتوسط بلادنا في عدد هال الناس عدده وكان كثيرا وإن لم يبلغ ما حددوه. فقلت للوالي والمولى عليه: هذا عدو الله قد حصل في الشرك والشبكة فلتكن عندكم بركة، ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة فليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار فيحاطبه فإنه هالك لا محالة إن يسركم الله له فغلبت الذنوب ورجفت القلوب بالمعاصي وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوي إلى وجاره وإن رأى المكيدة بجاره. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وحسبنا الله ونعم الوكيل.السابعة: قوله تعالى: {وَجاهِدُوا} أمر بالجهاد، وهو مشتق من الجهد {بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} روى أبو داود عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم». وهذا وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنقعه عند الله تعالى. فحض على كمال الأوصاف، وقدم الأموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز. فرتب الامر كما هو نفسه..تفسير الآية رقم (42): {لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42)}لما رجع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك أظهر الله نفاق قوم. والعرض: ما يعرض من منافع الدنيا. والمعنى: غنيمة قريبة. أخبر عنهم أنهم لو دعوا إلى غنيمة لاتبعوه. {عَرَضاً} خبر كان. {قَرِيباً} نعته. {وَسَفَراً قاصِداً} عطف عليه. وحذف اسم كان لدلالة الكلام عليه. التقدير: لو كان المدعو إليه عرضا قريبا وسفرا قاصدا- أي سهلا معلوم الطرق- لاتبعوك. وهذه الكناية للمنافقين كما ذكرنا، لأنهم داخلون في جملة من خوطب بالنفير. وهذا موجود في كلام العرب يذكرون الجملة ثم يأتون بالإضمار عائدا على بعضها، كما قيل في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها} [مريم: 71] أنها القيامة. ثم قال جل وعز: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا} [مريم: 72] يعني عز وجل جهنم. ونظير هذه الآية من السنة في المعنى قوله عليه السلام: «لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء». يقول: لو علم أحدهم أنه يجد شيئا حاضرا معجلا يأخذه لاتى المسجد من أجله. {ولكن بعدت عليهم الشقة} حكى أبو عبيدة وغيره أن الشقة السفر إلى أرض بعيدة. يقال: منه شقة شاقة. والمراد بذلك كله غزوة تبوك. وحكى الكسائي أنه يقال: شقة وشقة. قال الجوهري: الشقة بالضم من الثياب، والشقة أيضا السفر البعيد وربما قالوه بالكسر. والشقة شظية تشظى من لوح أو خشبة. يقال للغضبان: احتد فطارت منه شقة، بالكسر. {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا} أي لو كان لنا سعة في الظهر والمال. {لَخَرَجْنا مَعَكُمْ} نظيره {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] فسرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «زاد وراحلة» وقد تقدم. {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} أي بالكذب والنفاق. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} في الاعتلال..تفسير الآية رقم (43): {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43)}قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} قيل: هو افتتاح كلام، كما تقول: أصلحك الله وأعزك ورحمك! كان كذا وكذا. وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}، حكاه مكي والمهدوي والنحاس. وأخبره بالعفو قبل الذنب لئلا يطير قلبه فرقا.وقيل: المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم، فلا يحسن الوقف على قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} على هذا التقدير، حكاه المهدوي واختاره النحاس. ثم قيل: في الاذن قولان: الأول {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} في الخروج معك، وفي خروجهم بلا عدة ونية صادقة فساد. الثاني {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} في القعود لما اعتلوا بأعذار، ذكرهما القشيري قال: وهذا عتاب تلطف إذ قال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}. وكان عليه السلام أذن من غير وحي نزل فيه. قال قتادة وعمرو بن ميمون: ثنتان فعلهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يؤمر بهما: إذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئا إلا بوحي واخذه من الأسارى الفدية فعاتبه الله كما تسمعون. قال بعض العلماء: إنما بدر منه ترك الأولى فقدم الله له العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب. قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ} أي ليتبين لك من صدق ممن نافق. قال ابن عباس: وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يومئذ يعرف المنافقين وإنما عرفهم بعد نزول سورة التوبة.وقال مجاهد: هؤلاء قوم قالوا: نستأذن في الجلوس فإن أذن لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا.وقال قتادة: نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62]. ذكره النحاس في معاني القرآن له..تفسير الآيات (44- 45): {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}قوله تعالى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي في القعود ولا في الخروج، بل إذا أمرت بشيء ابتدروه، فكان الاستئذان في ذلك الوقت من علامات النفاق لغير عذر، ولذلك قال: {إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}. روى أبو داود عن ابن عباس قال: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} نسختها التي في النور {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ- إلى قوله- غَفُورٌ رَحِيمٌ} {أَنْ يُجاهِدُوا} في موضع نصب بإضمار في، عن الزجاج.وقيل: التقدير كراهية أن يجاهدوا، كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]. {وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ} شكت في الدين. {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} أي في شكهم يذهبون ويرجعون..تفسير الآية رقم (46): {وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46)}قوله تعالى: {وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} أي لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر. فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف. {وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ} أي خروجهم معك. {فَثَبَّطَهُمْ} أي حبسهم عنك وخذلهم، لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين. ويدل على هذا أن بعده {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا}. {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ} قيل: هو من قول بعضهم لبعض.وقيل: هو من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون هذا هو الاذن الذي تقدم ذكره. قيل: قاله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضبا فأخذوا بظاهر لفظه وقالوا. قد أذن لنا.وقيل: هو عبارة عن الخذلان، أي أوقع الله في قلوبهم القعود. ومعنى {مَعَ الْقاعِدِينَ} أي مع أولى الضرر والعميان والزمنى والنسوان والصبيان..تفسير الآية رقم (47): {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}هو تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم. والخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف. وهذا استثناء منقطع، أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال.وقيل: المعنى لا يزيدونكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالا، فلا يكون الاستثناء منقطعا.قوله تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} المعنى لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد. والإيضاع، سرعة السير.وقال الراجز:يقال: وضع البعير إذا عدا، يضع وضعا ووضوعا إذا أسرع السير. وأوضعته حملته على العدو.وقيل: الإيضاع سير مثل الخبب. والخلل الفرجة بين الشيئين، والجمع الخلال، أي الفرج التي تكون بين الصفوف. أي لأوضعوا خلالكم بالنميمة وإفساد ذات البين. {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} مفعول ثان. والمعنى يطلبون لكم الفتنة، أي الإفساد والتحريض. ويقال: أبغيته كذا أعنته على طلبه، وبغيته كذا طلبته له.وقيل: الفتنة هنا الشرك. {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي عيون لهم ينقلون إليهم الاخبار منكم. قتادة: وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم. النحاس: القول الأول أولى، لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام: ومثله {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: 41]. والقول الثاني: لا يكاد يقال فيه إلا سامع، مثل قائل.
|